عباد الله! أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فإن التقوى مفتاح كل خير، وأصل كل فضيلة، فمن خلال التقوى يستطيع الإنسان أن يرتقي في مدارج الكمال ويصل إلى الدرجات العلى، ومن خلال التقوى يتبلور عقل الإنسان وفكره وطريقة تفكيره حتى يصل إلى الرشد.
النقطة الأولى: مفهوم الرشد
استخدم القرآن الكريم الرشد في مقابل السفه مرة واستخدمه في مقابل الغي مرة أخرى ليدلنا على أن الرشد هو الحالة السوية وحالة الاعتدال أما الخروج عن هذه الحالة بالشذوذ عنها لسفه أو غي فيمثل الخروج عن حالة الاستواء والاعتدال، إن التزام حالة الاستواء يمثل الرشد، وأي خروج عن هذه الحالة هو سفه وغي، يقول تعالى: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[1].
لذلك فأنت تسمع بمصلح الاستخدام الرشيد الذي يعبر عن حالة الاعتدال.
واستخدم القرآن الكريم الرشد في مقابل الضر أيضاً؛ لأن نتيجة الغي والسفه هي الضر، بينما المنفعة هي نتيجة الضر، يقول تعالى: (قُلْ إِنِّي لآ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَدًا)[2]، كما أن الرشد ضد الضلال؛ لأن الرشد مرتبط بالهداية، بينما الغي مرتبط بالضلال.
فالرشد يعني المقدرة على التمييز الصحيح بين الخير والشر وبين الصالح والطالح والمقدرة على اتخاذ القرار السليم، وهو ما يُعبر عنه اجتماعياً بالنضج. فليس الرشد في مفهوم القرآن الكريم هو القدرة على فلسفة الأمور وحلحلتها وإن كان هذا التنظير بعيد عن الحق ومجانب للصواب، فكل من يرغب عن ملة إبراهيم بما تمثله من حق، وبما احتوت عليه من قيم ومثل، فهو سفيه، حتى ولو كان يمتلك مقداراً كبيراً من المعرفة النظرية ومستوى متقدماً من القدرة على التنظير بأن كان يعد مفكراً أو باحثاً أو كاتباً أو مثقفاً أو ما شابه ذلك، يقول تعالى: (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ)[3].
هذا لأن الدين الإلهي يعكس الحق الواضح المتجلي في الخليقة بما فيها من سنن ونواميس، ويعكس القيم الفطرية التي ولد بها الإنسان، فعلى هذا يكون كل من يكفر بمنهج الله الذي ارتضاه لعباده فهو سفيه النفس، سواء كان كفره كفراً على صعيد العقيدة، أو كفراً بشريعة الله ومنهجه في أي قضية من القضايا سواء كانت في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي والتربوي أو الاقتصادي.
فهناك فئة من الناس ترفض حقيقة وجوب كون الدين مهيمناً على واقع البشر الثقافي والسياسي والاجتماعي والأخلاقي وما شابه، فتراهم يحصرون دور الدين في دور العبادة وفي علاقة الإنسان الفردية بربه، ودون أن يكون للدين أدنى حضور في الجوانب التي تمس حياة الإنسان، فهم ينكرون أن يكون للدين أدنى تدخل في الشأن الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي، ولا شك أن هذا المنطق مرفوض جملة وتفصيلاً من وجهة نظر الدين.
عن أبي جعفر -عليه السلام- (أنه أتاه رجل بمكة فقال له: يا محمد بن علي؛ أنت الذي تزعم أنه ليس شيء إلاّ وله حد؟ فقال أبو جعفر -عليه السلام-: نعم أنا أقول أنه ليس شيء مما خلق الله صغيراً وكبيراً إلاّ وقد جعل الله له حداً، إذا جُوِّز به ذلك الحد فقد تُعدي حدُ الله فيه. فقال: فما حد مائدتك هذه؟ قال: تذكر اسم الله حين توضع، وتحمُد الله حين تُرفع، وتقـم ما تحتها. قال: فما حد كوزك هذا؟ قال لا تشرب من موضع أذنه، ولا من موضع كسره، فإنه مقعد الشيطان. وإذا وضعته على فيك فاذكر اسم الله، وإذا رفعته عن فيك فاحمد الله وتنفس فيه ثلاثة أنفاس فان النفس الواحد يُكره)[4].
وهكذا يمتد السفه ليشمل كل من يكفر بالحنفية البيضاء وبما يتفرع عنها من ثقافة ربانية صافية ونقية، فالثقافة الرسالية موجودة في القرآن الكريم وفي كلام أهل البيت -عليهم السلام- ولكن هناك من يكفر بهذه الثقافة، ويحاول أن يشكك في حقانيتها وصوابيتها، وهناك بعضٌ آخر لا يريد أن يتحمل أعباء حمل هذه الثقافة مع إيمانه به.
وهناك مستويات من الرشد؛ فقد يكون الإنسان راشداً مالياً واقتصاديا يستطيع أن يدير شؤونه الاقتصادية بشكل صحيح، ولكنه قد يكون سفيه ثقافياً؛ بأن لا يكون قادراً على انتخاب الثقافة الصحيحة.
وكما على الصعيد الفردي، كذلك على الصعيد الاجتماعي هناك رشد وهناك سفه؛ فإتباع الرسل والأنبياء والمصلحين الذين يمثلون الحق والصواب يعكس حالة الاستواء في المجتمع وبالتالي الرشد الاجتماعي، أما التخلف عنهم وتكذيبهم ومحاربتهم فهو يمثل السفه والغي، وهكذا المجتمع الرشيد هو الذي يتبع القيادات التي تهدي بالحق وتأمر بالعدل، أما المجتمع الذي يحارب قيادات السماء فهذا المجتمع مجتمع سفيه ويتبع سبيل الغي في سلوكه وثقافته، وهكذا المجتمع الذي يتخذ من الظلمة قيادات له فهذا مجتمع غير رشيد.
السبت يوليو 13, 2013 2:06 am من طرف الورده
» باك المنتدى
السبت يوليو 13, 2013 1:58 am من طرف الورده
» افكار للرفوف رووعه
الجمعة يونيو 28, 2013 5:19 pm من طرف الورده
» تصميم ازياء(اول تجربه لي )
الجمعة يونيو 28, 2013 5:17 pm من طرف الورده
» طريقة عمل آيسكريم~..
الجمعة فبراير 01, 2013 10:42 pm من طرف الورده
» عندمآإ ........
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:59 pm من طرف الورده
» يا علي ( رسمتي )
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:55 pm من طرف الورده
» ،،دفتر حضور وغياب ارجو التثبيت ،،
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:47 pm من طرف الورده
» عضوين في قفص المواجهه
السبت ديسمبر 29, 2012 6:52 pm من طرف الورده