لا توجد سلطة سياسية تستطيع البقاء إلا بشرعنة العلماء لها، لهذا جاء توجيه القيادة الرسالية للمجتمع بالتحذير من علماء السوء اللذين يعطون شرعية للسلطات السياسية في تعديها وظلمها ونهبها لحقوق الناس.
ولهذا تحمّل القيادة الرسالية المجتمع مسئولية (التدقيق لاختيار القائد الذي يتبعه)، وذلك لأن القيادة التي وكلت للعلماء في زمن غيبة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) تتحمل مسئولية توجيه المجتمع نحو الثقافة الرسالية الأصيلة، كما يقع على عاتقها مسئولية الدفاع عن أحكام الله.
فهذا التاريخ يحدثنا عن العلماء الذين تخرجوا على يد الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وكان لهم الدور الريادي والقيادي الجهادي في الساحة، والذي أزعج سلاطين الظلم والجور، فصارت السلطات الظالمة تطاردهم كما المجرمين، وتهجرهم من بلد إلى بلد، حتى صارت قبورهم موزعة في مشارق الأرض ومغاربها.
هؤلاء العلماء الذي نذكر منهم أبو ذر الغفاري في زمن أمير المؤمنين (عليه السلام) والذي جعلته مثال مقالي هذا، كذا منهم أبي حمزة الثمالي وسعيد بن جبير وغيرهم الكثيرين، الذي يحدثنا التاريخ عنهم وعن بطولاتهم في الدفاع عن أحكام الله وقيم السماء، فبأمثال هؤلاء العلماء الذين حفظوا آثار النبوة وأبقوا على أحكام الإسلام ونشروا مبادئه وتعاليمه وزرعوا حب آل البيت (عليهم السلام) في النفوس.
أبو ذر الغفاري مثالاً لشجاعة العلماء:
عالماً رسالياً وفارساً شجاعاً حمل على عاتقه هموم المظلومين والمعذبين، فكان منبراً يمثل الشجاعة في حرية الرأي والتعبير، وعالماً محامياً عن أحكام الله، فاضحاً للظلمة والمنافقين.
فعند قريش لم تمنعه أصنامهم لا ذئابهم عن توسط المسجد الحرام والجهر بإسلامه منادياً (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) حتى ثار عليه القوم وضربوه حتى أضجعوه.
وعند إسلامه تشهد له السيرة بشجاعته وورعه وعلمه، فقد وكل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) مهمة التبليغ عند قومه لثقته به، فكان خير ممثل لرسول الله (صلى الله عليه وآله) عند غفار، فقد تربى على يده، وربى جيل رسالي جهادي يفدون أنفسهم في سبيل الرسالة ولا يعدلون عن بيعة الحق بجاه أو دراهم أو قصور أو رئاسة.
الأقلية الشيعية.. والدفاع عن قيادة السماء:
لم يتخلف أبي ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) عن بيعة، فقد ثبت على بيعته الأولى في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، لهذا لقب بـ(الشيعي) هو وأربعة من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله):
قال الشيخ المفيد رحمه الله، في بيان إمامة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) فاختلفت الأمة في إمامته يوم وفاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقالت شيعته، وهم: بنو هاشم كافة، وسلمان، وعمار، وأبو ذر .. الخ.
وقال اليعقوبي، حول الموضوع ذاته: وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم: العباس بن عبدالمطلب، إلى أن قال: وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر .. الخ ما ذكره[1] .
أبو ذر الذي لم يخفي إسلامه حتى تلقى ضربات قريش، كذلك لم يخفي تشيعه حتى نفي إلى الربذه ومات جائعاً هناك، فهذا المستدرك ينقل لنا صورة عن ذاك العالم الشجاع عن حنش الكناني، أنه قال: سمعت أبا ذر يقول ـ وهو آخذ بباب الكعبة ـ: أيها الناس، من عرفني، فأنا من عرفتم، ومن أنكرني، فأنا أبو ذر، سمعت رسول الله يقول: (ألا إن مثل أهل بيتي فيكم، مثل سفينة نوح من قومه، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق)[2] .
لقد كان صلباً قوياً، متفانياً في سبيل ذلك . وكأنه في موقفه هذا، يفسر لنا بيعته لرسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم). أن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يقول الحق ولو كان مرا [3]!.
لقد قاوم أبو ذر السلطات القائمة التي لم تسمح عقيدته في أهل البيت (عليهم السلام) أن يعطيهم الشرعية أو يداهنهم حتى مات هناك من الجوع.
لقد عرض عليه أتباع عثمان مبالغ كبيرة بغية العدول عن مواقفه التي كان فيها يدعو إلى محاربة الظلم والمفسدين من بني أمية وبني مروان حيث أجابهم مستهجناً بما يدعوه إليه قائلاً: "أنا لست فقيراً حتى تغروني بهذه الدراهم والدنانير وإن كنتم لا ترون في بيتي إلا أثاثاً بسيطاً ومتاعاً معدماً فأنا من أغنى الناس" فقالوا له مستغربين: ومن أين هذا الغنى الذي تدعيه؟ أجابهم (رض): "إني غني بحبي لعلي بن أبي طالب(عليه السلام)".
أبي ذر الغفاري (رضوان الله عليه) الذي تحمل الصعوبات في سبيل تبليغ رسالات الله (سبحانه وتعالى) كما قال سبحانه: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله)[4] فتحمل الجوع والفقر والمرض والتبعيد وغير ذلك لكنه تمكن من تغيير المفاهيم الجاهلية إلى المفاهيم الإسلامية التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنه وإن مات جوعاً في الربذة في حالة غربة وتشريد، لكنه ركز لواء الإسلام وجعل من نفسه علماً إلى هذا اليوم.
حري بنا عندما نقول هناك عالم أن ننظر للعالم كما ننظر لهذا العالم الشجاع الذي لم يقبل أن يعطي تلك السلطات أي شرعية في ممارسة الظلم والجور وبقي ثابتاً على بيعته الحقة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ودافع عن قيادة السماء بكل شجاعة، ومات وهو ثابتٌُ على تلك المواقف رغم ما لقاه من أذى، إلى أنه من أجل التغيير ومن أجل رفع الإصر عن الناس تحمل ذلك، فصار أبي ذر علماً يذكره التاريخ ويتربى بسيرته الرساليين والمجاهدين.
[1] سلسلة الأركان الأربعة (1)- محمد جواد آل فقيه.
[2] 1 ـ المستدرك / 3 / 150 ـ 151 نقلاً عن كتاب سلسلة الأركان الأربعة (1).
[3] نفس المصدر.
[4] سورة الأحزاب: الآية 39.
السبت يوليو 13, 2013 2:06 am من طرف الورده
» باك المنتدى
السبت يوليو 13, 2013 1:58 am من طرف الورده
» افكار للرفوف رووعه
الجمعة يونيو 28, 2013 5:19 pm من طرف الورده
» تصميم ازياء(اول تجربه لي )
الجمعة يونيو 28, 2013 5:17 pm من طرف الورده
» طريقة عمل آيسكريم~..
الجمعة فبراير 01, 2013 10:42 pm من طرف الورده
» عندمآإ ........
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:59 pm من طرف الورده
» يا علي ( رسمتي )
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:55 pm من طرف الورده
» ،،دفتر حضور وغياب ارجو التثبيت ،،
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:47 pm من طرف الورده
» عضوين في قفص المواجهه
السبت ديسمبر 29, 2012 6:52 pm من طرف الورده