عاشوراء 1432هـ، مع شهيد الطف
من كلمات المرجع الديني آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي (دام ظله الوارف)
النهوض الحضاري على خط
الإمام الحسين عليه السلام
مع إطلالة هلال محرم تهب نسائم الهدى من ضمير قبر بكربلاء ضم الإيمان والطهر والحرية. وكلّما كبر الهلال واقتربنا من يوم الإمام الحسين عليه السلام، كلّما ازدادت نسائم الهدى عصفاً وريحاناً.
أجل فهناك في أرض البطولات التي لا تنتهي وفي يوم الذكريات التي لا تَخْلَق، ألف ألف عبرة، وألف ألف حكمة.
بلى؛ هناك روضة تمتد مع امتداد الأفق، ثمراتها؛ العقل الطاهر من دنس الشك والشرك، والعاطفة الطاهرة من رين الذاتية والحمية.
وأبى الله سبحانه إلاّ أن يُربي الصدقات، وأية صدقةٍ أزكى من السخاء بالنفس والأهل كما هو عطاء السبط الشهيد عليه السلام. وكذلك يمحق الله الربا، وأي رباً أنكد من بناء السلطة على جماجم الشرفاء والأحرار، كما هو بناء الدولة الأموية المنقرضة.
وهكذا أجرى ربنا بحكمته وقدرته ومجده العظيم من قطرات دم الإمام الحسين عليه السلام التي تناثرت فوق بقعة محدودة من أرض العراق في لحظة من تاريخ الصراع بين الحق والباطل؛ أجرى ربنا منها نهراً عظيماً من العاطفة الطاهرة ومن الحكمة النافذة، حتى جعل الحسين عليه السلام كما كتب على ساق عرشه العظيم، جعله: مصباح هدى وسفينة نجاة..
وكلما جرى هذا النهر الميمون على بقعة من الأرض أخرج الله فيها ما يناسبها من الثمرات والرياحين.
وهكذا كانت مسيرة عاشوراء في جنوب لبنان وأرض فلسطين، مقاومةً استمرت حتى النصر، وانتفاضةً لن تنتهي -بإذن الله – حتى تثمر الفتح المبين بنصر الله سبحانه.
وهكذا كانت هذه المسيرة في العراق، وقود استقامة عظيمة ضد أعتى طغاة العصر، وعطاءً سخياً وتضحيةً بكل غال من أجل الدين.
وهي ذاتها تصبح في بلد آخر كالجمهورية الإسلامية نهضةً حضاريةً في البناء والتطوير.
وهى ذاتها تعطي شعباً آخر كما شعبنا في الخليج حيويةً بالغةً لمقاومة الغزو الثقافي، والاستقامة على القيم الرسالية.
إنها نهر متدفق معطاء تأخذ كل أمةٍ منه حاجتها في لحظة الزمان والمكان..
ولا تزال أمتنا عطشى والنهر يتدفق، وما ارتوينا به لا يشفي كل غليلنا، فإننا بحاجة إلى المزيد. فلماذا الكسل؟
إن العولمة التي هي ذروة التحول التقني في العالم، تفتح لنا آفاقاً إلى المستقبل، كما تفتح علينا أبواباً من الغزو الجامح يتمثل فيما يلي:
أ- غزواً اقتصادياً يمكن أن يحطم ما بنيناه طيلة نصف قرن من الصناعة الوطنية الهشة، حتى نعود مرة أخرى سوقاً للبضاعات الأجنبية الأقل كلفة والأفضل جودة.
ب- غزواً إعلاميا يربط بلادنا بشبكة الاتصالات الدولية التي تضعها تحت سلطة الأقوياء علمياً وإعلاميا.
ج- غزواً ثقافياً يهدف هدم صرحنا الثقافي والاجتماعي، وتحويل امتنا المجيدة إلى هباء منثور، يتشكل حسب أهوائهم وضلالاتهم.
وإنما بنهضة شاملة نستطيع أن نصد هذه الغزوات المدمرة. ووقود هذه النهضة متوفر في عاشوراء الحسين. فهلاّ تزودنا به وبكل وجودنا دون ترددٍ وتقاعس.
إن الغرب ومن يتبعه من الشعوب المستضعفة امتلكوا ناحية التقنية، وتسنموا بها ذروة السلطة العالمية. ولكنهم فقراء جداً في القيم، وقد محقوا بأيديهم ما ورثوه من آبائهم من القيم المثلى، وهم أحوج ما يكونون إليها، لأن القدرة التقنية الهائلة لا تضبطها شبكة القيم المهزوزة.
ونحن بحمد الله وبما أكرمنا ربنا سبحانه من هدى الرسالات، وتراث الجهاد، ومجد التضحية؛ إننا بحمد الله سبحانه قادرون على امتطاء حصان العولمة واقتحام كل الأبواب المفتوحة. فإذا بشبكة الاتصالات والفضائيات والانفتاح الاقتصادي وغيرها تصبح بإذن الله سبحانه سُبُلاً للإصلاح، ووسائل للهداية.
ولكن كيف نقوم بذلك؟
أولاً: لابد أن نرتفع من ارض الحساسيات والحميات والذاتيات التي هي منبت الصراعات، ونرتفع إلى سماء الوحدة بعلمية العقل، وبقيمية التقوى، وبأريحية الإحسان.
إننا نخسر الكثير الكثير إذا تقوقعنا داخل أطرنا الخاصة، والشيطان هو
الذي يخوفنا من الخروج منها إلى رحاب الاعتصام بحبل الله المجيد.
إنَّ الأنانية وميراثها النكد المتمثل في الحساسية، هي مطية الشيطان التي تثير فينا دفائن الحقد والحمية والحسد والطمع وسائر الفواحش الباطنة، حتى تشل حركتنا الحضارية. ألا فلننبذها إلى غير رجعة، ولنتعلم من يوم عاشوراء الحسين عليه السلام كيف نتغلب على وساوس الشيطان.
ثانياً: لكي ننتفع أكثر فأكثر بذكرى عاشوراء، ولكي نجعلها وسيلة النهوض الحضاري وسبباً إلى التحدي ضد التخلف، لابد أن يقوم علماؤنا والخطباء وسائر الناشطين في مجالات الإعلام والهداية والإرشاد حفظهم الله سبحانه وتعالى بدورهم في تحويل نهضة الطف من التراث إلى العصر، ومن فوران العاطفة إلى حكمة العقل المشبوبة بثورة العاطفة، وعليهم التركيز على مشاكل العصر وعلى استخلاص الرؤى منها. وهكذا يمكنهم الاعتبار أكثر فأكثر بتراثنا الحافل بالمكرمات.
ثالثاً: وفي أيام محرم وحيث يهرع أبناؤنا ومن مختلف الأعمار إلى محافـل الذكر ومجالس العزاء، تثار عندهم أسئلة شتى حول الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وتلتهب نفوسهم بالعواطف النقية، فتكون مناسبة ممتازة لتنمية القيم فيهم، وتكريس روح الإيمان والتقوى في أنفسهم، وهكذا يكون كل واحد منّا مسئولاً عن زرع شتائل المعرفة في الشبيبة.
إن الأمهات اليوم مسئولات أكثر من أي يوم مضى عن أولادهنَّ وبالذات صغار السن، فلابد أن يفصّلن لهم الحديث عن كربلاء الحسين ودروسها الإيمانية. وكذلك الآباء مسئولون أيضاً وخصوصاً عن أولادهم الأكبر سناً. وهكذا الناس جميعاً عليهم أن يتواصوا بينهم ويستخلصوا دروس النهضة الحسينية الشامخة لبعضهم البعض.
إن الإمام الحسين عليه السلام إمامنا جميعاً فلنجعله معلماً كبيرا، وهادياً عظيماً، وأباً رحيماً، لعلنا ننجو بسفينته ونهتدي بمصباحه إن شاء الله تعالى.
السبت يوليو 13, 2013 2:06 am من طرف الورده
» باك المنتدى
السبت يوليو 13, 2013 1:58 am من طرف الورده
» افكار للرفوف رووعه
الجمعة يونيو 28, 2013 5:19 pm من طرف الورده
» تصميم ازياء(اول تجربه لي )
الجمعة يونيو 28, 2013 5:17 pm من طرف الورده
» طريقة عمل آيسكريم~..
الجمعة فبراير 01, 2013 10:42 pm من طرف الورده
» عندمآإ ........
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:59 pm من طرف الورده
» يا علي ( رسمتي )
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:55 pm من طرف الورده
» ،،دفتر حضور وغياب ارجو التثبيت ،،
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:47 pm من طرف الورده
» عضوين في قفص المواجهه
السبت ديسمبر 29, 2012 6:52 pm من طرف الورده