وكلمة الإمكان هنا تعني أحد ثلاثة معانٍ، الإمكان العملي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي أو الفلسفي، وأقصد بالإمكان العملي، أن يكون الشيء ممكناً على نحو يتاح لي أو لك، أو لإنسان آخر فعلاً أن يحققه، فالسفر عبر المحيط، والوصول إلى قاع البحر، والصعود إلى القمر، أشياء أصبح لها إمكان عملي فعلاً، فهناك من يمارس هذه الأشياء فعلاً بشكل وآخر.
وأقصد بالإمكان العلمي، أن هناك أشياء قد لا يكون بالإمكان عملياً لي أو لك، أن نمارسها فعلاً بوسائل المدنية المعاصرة، ولكن لا يوجد لدى العلم ولا تشير اتجاهاته المتحركة إلى ما يبرر رفض إمكان هذه الأشياء ووقوعها وفقاً لظروف ووسائل خاصة، فصعود الإنسان إلى كوكب الزهرة لا يوجد في العلم ما يرفض وقوعه، بل إن اتجاهاته القائمة فعلاً تشير إلى إمكان ذلك وإن لم يكن الصعود فعلاً ميسوراً لي أو لك، أن الفارق بين الصعود إلى الزهرة والصعود إلى القمر ليس إلا فراق درجة، ولا يمثل الصعود إلى الزهرة إلا مرحلة تذليل الصعاب الإضافية التي تنشأ من كون المسافة أبعد، فالصعود إلى الزهرة ممكن عملياً وإن لم يكن ممكناً عملياً فعلاً. وعلى العكس من ذلك الصعود إلى قرص الشمس في بكبد السماء فإنه غير ممكن علمياً، بمعنى إن العلم لا أمل له في وقوع ذلك إذا لا يتصور علمياً وتجريبياً إمكانية صنع ذلك الدرع الواقي من الاحتراق بحرارة الشمس، التي تمثل آتواناً هائلاً مستعراً بأعلى درجة تخطر على بال إنسان.
وأقصد بالإمكان المنطقي أو الفلسفي أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ـ أي سابقة على التجربة ـ ما يبرر رفض الشيء والحكم باستحالته.
فوجود ثلاث برتقالات تنقسم بالتساوي وبدون كسر إلى نصفين ليس له إمكان منطقي، لأن العقل يدرك ـ قبل أن يمارس أي تجربة ـ أن الثلاثة عدد فردي وليس زوجاً، فلا يمكن أن تنقسم بالتساوي لأن انقسامها بالتساوي يعني كونها زوجاً فتكون فرداً وزوجاً في وقت واحد وهذا تناقض، والتناقض ومستحيل منطقياً. ولكن دخول الإنسان في النار دون أن يحترق وصعوده للشمس دون أن تحرقه الشمس بحرارتها ليس مستحيلاً من الناحية المنطقية إذ لا تناقض في افتراض أن الحرارة لا تتسرب من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة، وإنما هو مخالف للتجربة التي أثبتت تسرب الحرارة من الجسم الأكثر حرارة إلى الجسم الأقل حرارة إلى أن يتساوى الجسمان في الحرارة.
وهكذا نعرف أن الإمكان المنطقي أوسع دائرة من الإمكان العلمي، وهذا أوسع دائرة من الإمكان العلمي، هذا أوسع دائرة من الإمكان العملي.
ولا شكّ في إن امتداد عمر الإنسان آلاف بالسنين ممكن منطقياً، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أي تناقض، لأن الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع ولا نقاش في ذلك.
كما لا شك أيضاً ولا نقاش في أن هذا العمر الطويل ليس ممكناً إمكاناً عملياً على نحو الإمكانات العملية للنزول إلى قاع البحر أو الصعود إلى القمر، ذلك لأن العلم بوسائله وأدواته الحاضرة فعلاً، والمتاحة من خلال التجربة البشرية المعاصرة، لا تستطيع أن تمدد عمر الإنسان مئات السنين، ولهذا نجد أن أكثر الناس حرصاً على الحياة وقدرة على تسخير إمكانات العلم، لا يتاح لها من العمر إلا بقدر ما هو مألوف.
وأما الإمكان العلمي فلا يوجد علمياً اليوم ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية. وهذا بحث يتصل في الحقيقة بنوعية التفسير الفسلجي لظاهرة الشيخوخة والهرم لدى الإنسان، فهل تعبّر هذه الظاهرة عن قانون طبيعي يفرض على أنسجة جسم الإنسان وخلاياه بعد أن تبلغ قمة نموها أن تتصلب بالتدريج وتصبح أقل كفاءة للاستمرار في العمل، إلى أن تتعطل في لحظة معينة، حتى لو عزلناها عن تأثير أي عامل خارجي، أو أن هذا التصلب وهذا التناقص في كفاءة الأنسجة والخلايا الجسمية للقيام بأدوارها الفسيولوجية نتيجة صراع مع عوامل خارجية كالميكروبات أو التسمم الذي يتسرب على الجسم من خلال ما يتناوله من غذاء مكثف، أو ما يقوم به من عمل مكثف أو أي عامل آخر؟
وهذا سؤال يطرحه العلم اليوم على نفسه، وهو جاد في الإجابة عليه، ولا يزال للسؤال أكثر من جواب على الصعيد العلمي. فإذا أخذنا بوجهة النظر العلمية التي تتجه إلى تفسير الشيخوخة والضعف الهرمي، بوصفه نتيجة صراع واحتكاك مع مؤثرات خارجية معينة فهذا يعني أن بالإمكان نظرياً، إذا عزلت الأنسجة التي يتكون منها جسم الإنسان عن تلك المؤثرات المعينة أن تمتد بها الحياة وتتجاوز ظاهرة الشيخوخة وتتغلب عليها نهائياً.
وإذا أخذنا بوجهة النظر الأخرى التي تميل إلى افتراض الشيخوخة قانوناً طبيعياً للخلايا والأنسجة الحية نفسها بمعنى أنها تحمل في أحشائها بذرة فنائها المحتوم، مروراً بمرحلة الهرم والشيخوخة وانتهاءً بالموت.
السبت يوليو 13, 2013 2:06 am من طرف الورده
» باك المنتدى
السبت يوليو 13, 2013 1:58 am من طرف الورده
» افكار للرفوف رووعه
الجمعة يونيو 28, 2013 5:19 pm من طرف الورده
» تصميم ازياء(اول تجربه لي )
الجمعة يونيو 28, 2013 5:17 pm من طرف الورده
» طريقة عمل آيسكريم~..
الجمعة فبراير 01, 2013 10:42 pm من طرف الورده
» عندمآإ ........
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:59 pm من طرف الورده
» يا علي ( رسمتي )
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:55 pm من طرف الورده
» ،،دفتر حضور وغياب ارجو التثبيت ،،
الثلاثاء يناير 29, 2013 11:47 pm من طرف الورده
» عضوين في قفص المواجهه
السبت ديسمبر 29, 2012 6:52 pm من طرف الورده